تاريخنا

أجدادنا العظماء بين التملق والإنكار!!!!

إن الصورة المتناولة عن المصريين القدماء- قدماء في حساب التاريخ فقط وليس من اى ناحية أخرى- ينقسم سامعيها إلي قسمين بين فخور علي الإطلاق وبين منكر وكاره للانتساب لهم علي الإطلاق والثاني يكثر في أوساط المتدينين المصريين خاصة وكم سمعنا ذما من علي المنابر للفراعنة والانتساب لهم في العموم.

إن موقفي يتضح من العنوان ولكن هذا الموقف ليس عفويا ولأنها قضية تتعرض بشكل مباشر للهوية والانتماء بالنسبة للمصريين سنسوق الادله علي أنهم كانوا متدينين دائما وإنما قصة فرعون الشهيرة هي عن فترة معينه لا تدل علي حياتهم في عموم التاريخ.

سوف نبدأ من فبل فرعون تاريخيا, أولا من قصة سيدنا يوسف عليه السلام سمى الله سبحانه في القران ملك مصر آنذاك بالعزيز وليس فرعون وعندما رأى العزيز رؤياه وعبرها له يوسف عليه السلام وقال للغلام ارجع فاسأل الملك ما بال النسوة قطعن أيديهن قال تعالي((قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق انا راودته عن نفسه وانه لمن الصادقين*ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وان الله لا يهدي كيد الخائنين*وما أبرىء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم)) هل هذا كلام امرأة كافرة تعبد آلهة متعددة بعد إعلانها التوبة للغفور الرحيم وكلام نسوة المدينة حين دخل عليهم يوسف عليه السلام في موقف سابق قلن ((حاش لله إن هذا إلا ملك كريم)) أي شعب يؤمن بآلهة متعددة يكون كلامه التلقائي ((حاش لله)) وقال ابن كثير "حاش لله أي تنزه الله".

ثم بعد ذلك يجعله العزيز علي خزائن الأرض ,وأي ملك كافر يجعل نبيا وزيرا له يستشيره في تدبير الأمر وأي نبي يطلب أن يستخدمه ملك كافر علي خزائن الأرض.

ونذهب إلي موقف آخر عندما جعل يوسف عليه السلام صواع الملك في راحلة أخيه بنيامين وقرر يوسف أخذه وكان الصغير قالوا للعزيز ((يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ احدنا مكانه انا نراك من المحسنين*قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده انا إذن لضالون))يوسف.

واضح من الحوار أن العزيز ما هو إلا ملك مؤمن بالله ليس كفرعون في شيء إلا انه ملك مصر .

ننتقل تاريخيا من هنا حيث الشعب والملك وال بيته ودوله في حكومتها نبي إلي عصر فرعون موسي عليه السلام, ومن هو موسي بالنسبة ليوسف عليهما السلام؟ عند ابن خلدون نقلا عن نسبه في التوراة وعند ابن المسعودي انه (موسي بن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب ) ولاوي هذا من الأسباط أخوة سيدنا يوسف أي انه في مقام الأب الرابع لموسي ونقل المسعودي ان بين عصر دخول بني إسرائيل (يعقوب عليه السلام)مصر وخروجهم منها أيام فرعون مائتي وعشرين سنه ابتدئ فرعون حكمه فبلها بأكثر من خمسين سنه أي أنها فترة وجيزة في حساب التاريخ.

وها نحن قد وصلنا إلى عهد فرعون .ان كفر فرعون كان كفرا خاصا به وجنوده وهامان وقارون وليس المصريين عامه وإنما قد يكون أصاب المصريين موجة من قمع فرعون وفساد الكهنة ورجال الدين المتملقين له والطامعين في المكاسب بأنواعها وكان فرعون يتبع سياسة التشويش الفكري علي ذوى الشأن من الدولة والقمع علي الضعفاء وفي هذا آيات واضحة من كتاب الله .

اما عن كفره الخاص به الذي لا يشمل كل المصريين قال تعالي عن موسي عليه السلام((فالتقطه ال فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين))القصص. نجد ان الايه الكريمة تتحدث عن المخطئين الثلاثة وأدوات القمع خاصة وذكروا بأسمائهم واستخدام ال فرعون أي أهل القصر وليس المصريين كلهم.

قال تعالي -لاحظ التحديد الواضح في الايه الكريمة- ((فاستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون))القصص.وقال الله تعالي لموسى ((اذهب إلي فرعون انه طغي)) وكان سيدنا موسى عليه السلام قادرا علي الوصول للمصريين في أي لحظة ودعوتهم للدين لو كانوا هم الكافرين.

وهناك ايه أخرى فيها خطاب واضح للطاغين قال تعالى((وعادا وثمود وقد تبين لهم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين*وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسي بالبينات فاستكبروا وما كانوا سابقين)) لاحظ في حالتي عاد وثمود تحدثت الايه الكريمة عن القوم بشكل عام ولم تحدد الكافرين منهم لكثرتهم أما في حالة فرعون حدد بشكل واضح أسماء المستكبرين.

وفي حاله العقاب أيضا كان عقاب المستكبرين من لدن نوح عليه السلام لكل من هو كافر ففي حالة سيدنا نوح اهلك الله كل الظالمين حتى ابنه, ونفس الحال عند لوط عليه السلام وكذلك عاد وثمود قال تعالي((وكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليهم حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا))

لاحظ التحديد الواضح في الايه الكريه فمن خسف به الأرض هو قارون فقط وليس أهل مصر وان من غرق هو فرعون وجنوده فقط وليس كل المصريين.

قال الله تعالي ((فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كانت عاقبة الظالمين)) انظر التحديد الواضح للمعاقبين ومن هم الظالمين.

وحتى فرعون لم ينجح في مهمته لتكفير الشعب وهناك نماذج مؤمنة داخل القصر.

الرجل الأول وهو من ذوي الشأن عند القصر قال تعالي((وقال رجل مؤمن من ال فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله من بعد ما جاءكم بالبينات من ربكم وان يك كذابا فعليه كذبه وان يك صادقا فيصبكم بعض الذي يعدكم به ان الله لا يهدي من هو مسرف كذاب *يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض فمن ينصرنا من بأس الله ان جاءنا قال فرعون ما أريكم إلا ما أري وما أهديكم إلا سبيل الرشاد *قال الذي امن يا قوم انى أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب *مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما بالعباد))غافر.

هنا أسئلة تتطرق في العقل من هذا الرجل؟؟,لماذا لم يأمر له فرعون بالعذاب ؟؟,ولماذا استخدم فرعون الحوار والتشويش الفكري ولم يقل كما يقول للعامة انا ربكم الاعلي؟؟.ومن أين له كل هذا العلم بعذاب الله في الأمم السابقة؟؟ ولماذا لم يفصل قصص عاد وثمود تفصيلا إلا لان عندهم معرفة مسبقة لما آلت إليه هذه الأقوام وهو فقط حاول التذكير إن هذا إنما يدل علي أن الإيمان لم ينقطع كليا في مصر منذ عهد يوسف عليه السلام .

هذا الرجل كما قال بن كثير و السدي كان من صفوة القوم ومجلس الحكم انه ابن عم فرعون وهذا يثبت ان فرعون كان يفرض الكفر بالقوة علي الناس وبالطبع يضم معه في السلطة من هو معه في نفس التيار إلا مثل هذا الرجل لأنه قريب من الحكم بالنسب ولكنه قد لم يكن يستطيع التأثير لان فرعون يسطو علي السلطة والجيش اى أدوات القهر.هذا أيضا مثال علي أجدادنا يستحق ان نفخر بإيمانه لان ليست مصر كلها فرعون .

شخص آخر غاية في الاهميه وهي زوجته قال تعالي((وضرب الله مثلا للذين امنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا فى الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين))التحريم.

إنها ليست مؤمنة فقط بل ضرب الله تعالي بها المثل للمؤمنين وهى أيضا من نساء العالمين كما اخبرنا الرسول صلي الله عليه وسلم عن عبد الله بن عباس ((أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ومريم ابنة عمران واسيه بنت مزاحم زوجة فرعون)) ألا يدعو هذا للفخر بأجدادنا الم يكونوا عظماء؟!!

ومثال ثالث علي إيمان الأجداد داخل قصر الحكم هي امرأة مصريه ويشرفنا أنها مصريه وهى زوجة خازن فرعون وماشطة ابنته كما قال ابن كثير .

عن ابن عباس قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم((لما اسري بي مرت بى رائحة طيبة فقلت ما هذا يا جبريل قال ماشطة بنت فرعون سقط المشط من يدها فقالت "بسم الله"فقالت بنت فرعون أبي قالت ربى وربك ورب أبيك فدعاها فرعون فأمر بانية من نحاس فأحميت وألقيت فيها وأولادها وطلبت منه قبل ذلك ان يجمع عظامها وأولادها في موضع ففعل)).

إذا كان هؤلاء داخل القصر المسيطر عليه فرعون فما بالنا بخارجه ؟

وأما عن كثرة التماثيل في عهدهم فربما لم تكن محرمة عليهم قال تعالي عن سليمان(( و يصنعون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا ال داود شكرا وقليل من عبادي الشكور))سبأ.

قال القرطبي"( تماثيل) صور علي هيئة الإنسان وإنما هي صور لأنبياء وعلماء كانت تصور ليزداد الناس عملا واجتهادا قال صلي الله عليه وسلم :ان أولئك الناس كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا علي قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور ليجتهدوا في العبادة ....وهذا يدل علي ان التصوير كان مباحا في ذلك الزمان ونسخ ذلك في شرع محمد عليه الصلاة و السلام". وهذا يتشابه مع طرق دفنهم ومعابدهم المليئة بالتماثيل

وسيدنا سليمان هو الابن العاشر لأخ من أخوة يوسف أي ان بينه وبين موسى عليهما السلام ستة آباء اذن بين فرعون وسليمان ليست فترة طويلة زمنيا ومن المعروف ان سليمان عليه السلام آتاه الله ملكا عظيما قيل انه كملك ذي القرنين وكان مكانه جغرافيا قريبا من مصر فهل لو كان هناك كفرا في مصر ككفر فرعون سيتركه سليمان وهو الذي دعا بلقيس بمجرد علمه بكفر مملكتها من الهدهد؟

إذن هذا ما قبل فرعون وفرعون وما بعد ذلك إنما هو تاريخ عامر بالإيمان حتى في أيام فرعون لم يخل منه .

وربما ساعد في نقل الصورة الخاطئة عنهم هو ان من نقل تاريخهم لنا هم مستشرقين قد يكونوا اخطئوا في تفسير تعبيرات لغتهم القديمة لمن أرادوا ان يعظموه بالتماثيل لأنه صالح أو عالم بأنه اله وذلك لان المستشرقين لم يمسوا ثقافتنا عن قرب.

ولم يربطوا كل الأطراف جيدا حتى يصلوا لصورة واضحة حقيقية عن حياتهم الدينية؟؟

فهل لنا الآن الا ندينهم ونذمهم علي العموم لان تاريخهم طويل حافل .الكفر لم يشغل الكثير من الزمن فيه وإنما نال ما نال من القران ليس لطول فترات الكفر عندهم ولكن لشدة معاناة موسي عليه السلام.

والله من وراء القصد

((نبيل حمدي))